التعلّقُ المرضيُّ هو اضطراب بنوايا حسنة، حيث الأشخاص الّذين يعانون من التعلّقِ المرضي بالآخرين تتفاقم لديهم سلوكيّات قهريّة ويعتمدون بشكل غير صحيّ على الآخرين، لتلبية احتياجاتهم العاطفيّة، في حين التّعلّق الآمن يشعر فيه الفرد بالرّاحة مع نفسه ومع شريكه ويستطيع إقامة توازن صحّي بين الثّقة والقرب والاستقلاليّة في علاقاته، ويحدث صراع بين الاثنين، فعندما يتحدّث المنطق ويخبر الإنسان داخليّاً أنّ ما يجري له هو خاطئ وغير سليم فإنه يرفض ما يحدث له من صراع في الدّماغ، لأنّ الدّماغ منطق وعاطفة، فالمنطق يقول هذا خطأ في حين العاطفة لا تراه خطأً، وتضع المبرّرات لمتابعة الموضوع الذي يراه المنطق خطأ.
وهذا التعلّق الخاطئ يسمى التعلّق المرضيّ، ومن أعراضه أنّ المتعلّق لا يثق بالطّرف الآخر بل ويشكّك بنواياه أيضاً، وحين يشعر بالابتعاد العاطفيّ ينسحب ولا يبلي اهتماماً، كما أنّ عدم الرّضى صفة مستمرّة معه، فيكون دائم التّذمّر والشّكوى، فلا يجد الاستمتاع مع هذا الشّريك سواء كان والدين أو أبناء، ممّا يجعله يطبع فكرة خاطئة داخله بأنّه الشّخص الّذي لا يستحقّ أن ينال ويتمتّع بالحبّ، فيشكّ في حبّ الآخر له.
وبالعودة لأسباب التّعلّق المرضيّ نجده يبدأ منذ نعومة أظفار الإنسان، متجلّياً بتعامل والدته معه وكيفيّة تعلّقه بها وإن كان يلقى الاهتمام والأمان والرّعاية، فالطّفل الصّغير دائم التّعلّق بأمّه، وتتطوّر هذه العلاقة لتصبح علاقة مع الشّريك، فالأمان في الصّغر أمان مع الشّريك في الكبر والعكس كذلك، إضافة لأنّ الأطفال يملكون مزاجاً وطباعاً مختلفة، منهم الاجتماعيّ البشوش الّذي بمجرّد النّظر إليه تجد نفسيّتك تغيّرت، فهو مرح بطبعه ضحوك على عكس الطّفل العبوس صعب المزاج غير الاجتماعيّ، فهذا النّوع لا يسمح للآخرين بالاقتراب منه والتّعامل معه، فهو لا يجذبهم بتصرّفاته، وكلا النّوعين من الأطفال سواء البشوش أو العبوس لا دخل للأمّ بذلك، إذ تلعب شخصيّة الطّفل دوراً كبيراً، وفي هذه الحالات على الإنسان أن يدرك أنّه يعاني من مشكلة ويسعى جاهداً لحلّها، فلا يركّز على سلوك الآخر ولا يدقّق على صغائر الأمور حتّى لا يزداد القلق لديه، إنّما التّركيز على كل ما من شأنه زيادة ثقته بنفسه ويعمل على رفع استقلاليتها، ولا مانع إن وجد نفسه بحاجة لاستشارة المختصّين أن يتوجّه إليهم.
وبمقارنة التّعلّق المرضيّ بالتّعلّق الآمن نجد أنّ الآمن يعلم فيه المرء ما يملكه من مشاعر إيجابيّة وسلبيّة، ويتحدّث عن أخطائه ساعياً لحلّها والتّخلّص من سلبيّاته دون خوف أو اضطراب، وإن اضطرّ لطلب مساعدة المختصّين لا يتردّد في ذلك، لأنّه يرغب بأن يضع شعوره العاطفيّ بالوقت الّذي يحتاج إليه دون تردّد.
نستنتج ممّا سبق أنّ الشّعورَ العاطفيّ المرضيّ أمر لا بد من معالجته حتّى لا تتطوّر الحالة وتتضاعف، والعمل لبلوغ الشّعور العاطفيّ الآمن الّذي به تسير الحياة بشكلها السّليم السّوي.
0 تعليق